فصل: أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

قال الخطيب الإسكافي:
سورة النساء:
الآية الأولى منها:
قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} [سورة النساء: 48].
وقال في هذه السورة أيضا: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا} [النساء: 116].
للسائل أن يسأل عن فائدة تكرار هذه الآية، وله أن يسأل فيقول: لم كان جواب {من يشرك بالله} في الآية الأولى: {فقد افترى إثما عظيما} وجوابه في الآية الثانية: {فقد ضل ضلالا بعيدا}؟
فأما الجواب عن التكرار فلأن هذه السورة لما اشتمل صدرها على ذكر الأحكام، وانتهى إلى ذكر التيمم، ثم انقطع ذلك بقوله: {ألم تر الذين أوتوا نصيبا من الكتاب..} [النساء: 44] وهم اليهود الذين أوتوا التوراة فحرفوا ما فيه دلالة على صحة نبوة محمد إلى ما يدعو إلى ترك الإيمان به، ثم توعدهم إن أقاموا على ذلك الكفر بقوله: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها..} [النساء: 47] أتبع ذلك بما دل به على عظم الكفر الذي هو الشرك، وذلك في أمر اليهود، ويحتمل أن يقال: إنما سماهم مشركين لما قالوا عزير ابن الله، ومن ادعى لله ابنا فهو مشرك.
والموضع الثاني تقدمت فيه آية هي قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} [النساء: 115]، ومعناه من عادى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما ظهرت آياته وتظاهرت دلالاته، وتبع سبيل الكفار فإن الله تعالى يوليه ما تولى من الأصنام التي عبدها بأن يكله إليها ليستظهر بها، ولا نصر عندها، وهؤلاء مشركو العرب، فدل على أن من تقدم ذكرهم وإن كانوا أوتوا الكتاب كهؤلاء المشركين الذين لا كتاب لهم، كفرهم ككفرهم، وسبيلهم كسبيلهم، فأعاد تقدم ذكرهم ليعلم أنهم وإن خالفوهم دينا فقد وافقوهم كفرا، فهذه فائدة التكرار.
وأما إتباع الأول {فقد افترى إثما عظيما} فلأن من أريد بالآية الأولى قوم عرفوا صحة نبوة النبي من الكتاب الذي معهم، فكذبوا وافتروا ما لم يكن عندهم، فكان كفرهم من هذا الوجه الذي أضلوا به أتباعهم.
وأما اتباع الثاني {فقد ضل ضلالا بعيدا} من أريد بهم المشركون العرب، وهم لم يتعلقوا بما يهديهم، ولا كتاب في أيديهم فيرجعوا إليه فيما يتشككون فيه فقد بعدوا عن الرشد وضلوا أتم الضلالات، فاقتضى المعنيون بالأول ما ذكره الله تعال والمعنيون بالثاني ما أتبعه إياه، وإن كان الفريقان مفترين إثما عظيما، وضالين ضلالا بعيدا والله أعلم.
الآية الثانية منها:
قوله تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعلمون خبيرا} النساء: 128.
وقال بعده: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما} النساء: 129.
للسائل أن يسأل عن مسألتين في ذلك:
إحداهما قوله تعالى في الآية الأولى: {وإن تحسنوا وتتقوا} وفي الثانية {وإن تصلحوا وتتقوا}؟
والمسألة الثانية ختم الآية الأولى بقوله: {فإن الله كان بما تعملون خبيرا} والثانية بقوله: {فإن الله كان غفورا رحيما}.
والجواب عن الأولى: أن معناها: إن خافت امرأة من زوجها ترفعا ونبوا لملل أو إعراضا موجدة أو بدل فلا إثم في إثم في أن يتصالحا على أن تترك له من مهرها، أو بعض أياما ما يتراضيان به، والصلح خير من أن يقيما على التباعد، أو يصيرا إلى القطيعة ونفس كل واحد منهما تشح بما لها قبل صاحبها وقيل: المراد: شحهن على النقصان من أموالهن وأنصبائهن من أزواجهن وهذا يقتضي مخاطبة الأزواج بمجانبة القبيح وإيثار الحسنى في معاملتهم، فبعث الله تعالى في هذا المكان على فعل الإحسان.
وأما الثانية فجاءت بعد قوله: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} في محبتهن والشهوة لهن، لأن ذلك ليس إليكم، وإن حرصتم على التسوية بينهن {فلا تميلوا كل الميل} بأن تجعلوا كل مبيتكم وخلوتكم وجميل عشرتكم وسعة نفقتكم عند التي تشتهونها دون الأخرى، فتبقى تلك معلقة لا ذات زوج ولا مطلقة، فاقتضى هذا الموضع أن يحث الأزواج على إصلاح ما كان منهم من الأنصاب إلى الواحدة دون ضراتها بالتوبة مما سلف، واستئناف ما يقدرون عليه من التسوية، ويملكونه من الخلوة، وسعة النفقة، وحسن العشرة، فقال: {وإن تصحوا وتتقوا}.
وأما جواب المسألة الثانية فقد بان ووضح بما ذكرت وبينت أنه لما قال: وإن جانبتم القبيح وآثرتم الإحسان فإن الله به عالم، وعليه مجاز، وهو قوله: {فإن الله كان بما تعلمون خبيرا}.
ولما عذر الأزواج في بعض الميل، وهو الذي لا يملكون خلافه، حثهم على يطيقون فعله بما ذكرت، وعلى إصلاح ما سلف منهم بما بينت، فإن الله تعالى يغفر لمن يقلع عن قبائحه ويؤثر بعدها الحسنى من أفعاله، وهذا معنى قوله: {فإن الله كان غفورا رحيما}.
الآية الثالثة منها:
قوله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما* ولله ما في السموات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن الله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا* ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا} [النساء: 130- 132].
للسائل أن يسأل في هذه الآيات عن مسألتين:
إحداهما: عن تكرار قوله: {ولله ما في السماوات وما في الأرض} ثلاث مرات؟ والثانية: عما تبع المكرر في قوله في آية: {وكان الله غنيا حميدا} وفي أخرى: {وكفى بالله وكيلا} والأولى لم يتبعها مثل ما تبع الوسطى والآخرة؟
والجواب عن المسألة الأولى- وهي التكرار- أنه: إذا أعيد الكلام لأسباب مختلفة لم يسم تكرارا، فالأول بعد الإذن للرجل وامرأته في أن يتفرقا بطلاق، وتسليتهما عن الوصلة بأنه هو الذي يغني المحتاج منهما، وإن كان قبل ذلك أغنى كل واحد منهما بصاحبه، فإنهما بعد الفرقة يرجوان الغنى من عنده، لأنه واسع الرزق وواسع المقدرة، فإن الله ما في السموات وما في الأرض، وأرزاق العباد من جملتها.
وأما الثاني فإنه بعد قوله: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء: 131] أي اتقوا الله، فإنه واسع النعمة والفضل والرحمة، وقد أوسعكم منها، ووصاكم ومن قبلكم بتقواه والاستجارة بطاعته من عقوبته، فإنكم إن عصيتم وكفرتم لم يكن لله حاجة إلى طاعتكم، وإنما أنتم تحتاجون إليها، والله غني حميد، فوجب عليكم طاعته، لأن له ما في السموات وما في الأرض، وهو غني بنفسه، حميد، لأنه جاد بما استحمد به إلى خلقه من الإحسان إليهم، والإنعام عليهم، فالمقتضى لذكر {لله ما في السموات وما في الأرض} وفي الثاني غير المقتضي له في الأول.
وأما الثالث فلأنه لما ذكر أنه أوجب طاعته على من قبلهم وعليهم، لأنه ملك ما في السموات وما في الأرض، وأنعم عليهم من ذلك ما حققت به العبادة، اقتضى ذلك أن يخبرهم عن دوام هذه القدرة له، فكأنه قال: وله ذلك دائما، وكفى به له حافظا، أي لا زيادة على كفايته في حفظ ما هو موكول إلى تدبيره والوكيل: القيم بمصالح الشيء، وقيل: هو الحافظ، وما قام الله تعالى بمصالحه فهو حافظه فقد بان أن ذلك ليس بتكرار.
وأما الجواب عن المسألة الثانية من اتبعه قوله: {وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا} فقد تضمنه الجواب عما ذكرت من التكرار، وهو كقوله: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم} [الزمر: 7] أي أنتم محتاجون إلى طاعته، ولم يقتض ما تقدم غير هذا الوصف ولما اتصف تعالى بالغني، وكان الغني إذا لم يجد من غناه مذموما، والله تعالى قد غمر بعطائه المستحق وغيره من الكفار كان الغني الحميد.
وأما قوله بعد الثالث {وكفى بالله وكيلا} فلأنه لما كان المعنى أنه دائم القدرة أخبر أن ما يحفظه مما في السموات وما في الأرض يكتفي به حافظا، إذ ملكه عليه دائم وتدبيره فيه قائم.
الآية الرابعة:
قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا} [النساء: 135].
وقال في [سورة المائدة 8]: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}.
للسائل أن يسأل فيقول: ما الفائدة في تقديم قوله: {بالقسط} على قوله: {شهداء} في الآية الأولى، وتأخيره عنه في الآية الثانية؟
والجواب أن يقال: إن الآية الأولى في الشهادة أمر الله عز وجل من عنده شهادة أن يقوم بالحق فيها، ويشهد لله تعالى على كل من عنده حق لغيره يمنعه إياه حتى يصل إليه فقال: قوموا {بالقسط} أي بالعدل في حال شهادتكم لله على كل ظالم حتى يؤخذ الحق منه، فقدم {بالقسط} لأنه من تمام {قوامين} إذ فعله يتعدى إلى مفعوله بالباء.
وأما {شهداء} فإنها إذا كانت حالا من الضمير في {قوامين} فإن حقها أن تجيء بعد تمام {قوامين}، وكذلك إن كانت خبرا ثانيا، إن كانت صفة لـ {قوامين} فإن حقها أن تجيء بعدها.
وأما قوله: {لله} بعد {شهداء} فلتعلقه بالشهادة، كأنه قال: كونوا شهداء لله، لا للهو والميل إلى ذوي القربى، والدليل على أنه: {ولو على أنفسكم} وشهادة الإنسان على نفسه أن يقر بالحق لخصمه، أي افعلوا ذلك لله وإن كان عليكم أو على الوالدين وذوي القربى منكم.
وقوله عز وجل: {إن يكن غنيا أو فقيرا} أي إن يكن من عليه الحق على أحد هذين الوصفين فانتهوا في أمره إلى أمر ما أمر الله تعالى به، ولا يحملنكم الإشفاق من فقره على محاباته ولا يدعونكم غني الغني إلى مداراته، فإن الله تعالى أولى بالنظر لهما، ولجميع عباده منهم لأنفسهم ولغيرهم.
وقوله: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} أي كراهة أن تعدلوا {وإن تلووا} ألسنتهكم بالشهادة ولم تفصحوا بها ولم تقوموا بما يجب عليكم فيها، أو تتركوا ما يلزمكم منها، فإن الله عليم بعملكم وهو مجازيكم على فعلكم.
وقيل: تلووا بمعنى تمطلوا، من لويت الغريم إذا دفعته، كأنه قال: إن تدفعوا الشهادة ولم تؤدوها وقت الحاجة إليها.
ومن قرأ تلوا بضم اللام وواو واحدة فالمعنى: إن تلوا أمر الناس، من الولاية، أو تتركوه.
ويجوز أيضا أن يكون الأصل تلووا فأبدلت من الواو المضمومة همزة، ثم خففت بإلقاء حركتها على اللام، وحذفها وإن كان هذا مستضعفا في الهمزة العارضة.
وأما الآية التي في سورة المائدة فإن فحواها يدل على أنها للولاة، فقال: {كونوا قوامين لله} لا لنفع، ويكون {بالقسط} متعلقا بـ {قوامين} أي: كونوا قوامين لأجل طاعة الله بالعدل والحكم به في حال كونكم {شهداء} أي: وسائط بين الخالق والخلق، أو بين النبي وأمته كما قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة: 143، فالقائم بتنفيذ أحكام الله تعالى بين خلقه إذا وفى ما عليه من حقه، فهو شهيد على من وليه، والرسول شهيد عليه بما نقله إليه، والدليل على أن الخطاب لولاة الأحكام قوله بعده: {ولا يجرمنك شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب لتتقوى} المائدة: 8، وذلك عام في المخالفين من أهل الأديان والموافقين ممن حصلت لهم بغضة وعداوة، أي: اعدلوا على الولي والعدو عدلا واحدا.
وقيل في هذه الآية: إنها أيضا في الشهادة في الحقوق وقيل: في الشهادة لأمر الله تعالى بأنه حق.
وقيل معناه قوموا في كل ما يلزمكم القيام فيه من الأمر بالمعروف والعمل به، والنهي عن المنكر وتحنبه.
الآية الخامسة منها:
قوله عز وجل: {إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا} [النساء: 149].
وقال في سورة [الأحزاب 54]: {إن تبدو شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما}.
للسائل أن يسأل عن الآية الأولى لم خص فيها خير، ولم عم في الثانية بلفظ شيء؟
والجواب أن يقال: إنما خص في هذا الموضع الخير بالإبداء لأنه بإزاء السوء الذي قال فيه: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم..} النساء: 148، والمعنى: لا يحب الله أن يجهر بالقول السيء غير المظلوم، وهو أن يدعوا على من ظلمه، أو أن بخبر بظلمه له، أو أن ينتصر منه بسوء مقاله فيه فقال: إن أبديتم ثناء وذكرا جميلا لمن يستحقهما أو أخفيتموهما أو سكتم عمن أساء إليكم بالعفو عنه فإن الله مع قدرته كثير العفو عن خليقته، فاقتضت في هذه الآية المقابلة أن يجعل بإزاء السوء الخير.
وأما في الآية التي في الأحزاب فلأن قبلها تحذيرا من إضمار ما لا يحسن إضماره في قوله عز وجل: {والله يعلم ما في قلوبكم} [الأحزاب: 51]، وقوله: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} الأحزاب: 53، فاقتضى هذا المكان العموم، فقال تعالى: {إن تبدوا} مما حذركم الله شيئا أو تخفوه {فإن الله كان بكل شيء عليما} لم يزل عليما بما يكون كعلمه بما كان.
انقضت سورة النساء عن خمس آيات، وسبع مسائل. اهـ.